يُعد التقويم المعياري أحد أهم أساليب القياس في المجال التربوي، إذ يهدف إلى مقارنة أداء الطالب بمستوى أقرانه أو بمعايير محددة مسبقًا، ما يضمن العدالة والموضوعية في الحكم على التحصيل.
وقد تزايد الاهتمام بهذا النوع من التقويم لما يقدّمه من دقة في تشخيص مستوى الطلاب، وفائدته الكبيرة في تحسين جودة التعليم وتطوير المناهج.
لكن كثيرًا ما يختلط الأمر على أولياء الأمور والطلاب بين التقويم المعياري والتقويم المحكي، وهو ما يجعل من المهم توضيح الفرق بين التقويم المعياري والمحكي لفهم دور كل منهما في العملية التعليمية.
فالنوع الأول يقيس أداء الطالب مقارنةً بمستوى المجموعة، بينما الثاني يقارن النتائج بمدى تحقق أهداف محددة أو مهارات بعينها.
ولكي يؤدي هذا النوع من التقييم دوره بفاعلية، لا بد من الالتزام بمعايير التقويم الجيد التي تضمن الصدق، الثبات، الشمولية، والموضوعية.
ومن خلال هذه المعايير، يصبح التقويم أداة دقيقة تساعد المعلم على دعم طلابه، وتزوّد صانع القرار التربوي بمؤشرات واضحة لتطوير السياسات التعليمية.
ومع بروز المنصات الرقمية مثل اختباري، بات من الممكن تطبيق هذا النهج بطريقة أسهل وأكثر مرونة، مما يعزز فرص الطلاب في الحصول على تقييم عادل يعكس مستواهم الحقيقي.
ما المقصود بالتقويم المعياري؟
التقويم المعياري هو أسلوب من أساليب قياس وتقييم مستوى الطلاب، يعتمد على مقارنة أداء الطالب بأداء مجموعة معيارية تمثل شريحة واسعة من المتعلمين. بمعنى آخر، لا يتم الحكم على نتيجة الطالب بشكل منفصل، بل تُفسر درجته وفقًا لنتائج زملائه أو عينة مرجعية مماثلة.
إذ يهدف هذا النوع من التقويم إلى معرفة موقع الطالب بين أقرانه، وتحديد من يتفوق أو يحتاج إلى دعم إضافي. ويُستخدم التقويم المعياري بشكل شائع في الاختبارات الوطنية أو الدولية، مثل اختبارات القدرات أو الاختبارات الموحدة، حيث يكون الهدف قياس الفروق الفردية وترتيب الطلاب وفق مستويات متدرجة.
أهمية التقويم المعياري واستخداماته
لا يقتصر دور التقويم المعياري على تحديد مستوى الطالب فقط، بل يمتد ليكون أداة استراتيجية تساعد المعلمين وصناع القرار في التعليم. فبفضل نتائجه، يمكن:
- مقارنة مستويات الطلاب على نطاق واسع (مدرسي، وطني، أو حتى دولي).
- تحديد الموهوبين والمتفوقين الذين يحتاجون إلى برامج إثرائية متقدمة.
- تشخيص الفجوات التعليمية لدى الطلاب الذين يقعون في المستويات المتدنية.
- تطوير السياسات التعليمية بناءً على بيانات دقيقة عن أداء مجموعات الطلاب.
إضافةً إلى ذلك، يوفّر هذا النوع من التقويم صورة شاملة حول جودة التعليم، لأنه لا يقيس الطالب فقط بشكل فردي، وإنما يقيس فاعلية النظام التعليمي ككل مقارنةً بمعايير معروفة ومجموعة مرجعية محددة.
الفرق بين التقويم المعياري والمحكي
يُعدّ التفريق بين التقويم المعياري والمحكي خطوة أساسية لفهم أنظمة القياس في التعليم:
1- التقويم المعياري (Norm-Referenced Assessment): يُقارن أداء الطالب بأداء مجموعة مرجعية من أقرانه. فعلى سبيل المثال، إذا حصل طالب على نتيجة ضمن أعلى 10% من زملائه، فهذا يعكس موقعه النسبي بينهم، وليس فقط مستواه الفردي، والهدف هنا هو معرفة مكان الطالب مقارنةً بالآخرين.
2- التقويم المحكي (Criterion-Referenced Assessment): يُقارن أداء الطالب بمجموعة معايير محددة مسبقًا، بغض النظر عن أداء زملائه. مثلاً: إذا حددت الوزارة أن إتقان الطالب لمهارة معينة يتطلب الحصول على 80% من الأسئلة الصحيحة، فإن النتيجة تُقاس مباشرة بهذه العتبة، والهدف هنا هو معرفة مقدار ما حققه الطالب من إتقان للمعايير المطلوبة.
وبذلك يمكن القول إن التقويم المعياري يقيس "أين يقف الطالب بين الآخرين"، بينما التقويم المحكي يقيس "مدى إتقانه لمعايير محددة". وغالبًا ما يُستخدم كلاهما معًا لتحقيق صورة أكثر دقة عن تعلم الطلاب.
أمثلة من الواقع لتوضيح الفارق
في المدارس، يظهر الفرق بين التقويم المعياري والمحكي بشكل عملي في طريقة وضع الاختبارات وتحليل النتائج:
مثال على التقويم المعياري: لنفترض أن وزارة التعليم أجرت اختبارًا وطنيًا في الرياضيات لطلاب الصف - السادس الابتدائي. بعد التصحيح، يتم مقارنة كل طالب بمعدل أداء جميع الطلاب في المملكة، فإذا حصل طالب على 85% لكنه كان أقل من متوسط أداء أقرانه في المنطقة، فستظهر النتيجة أنه "متوسط" أو "أقل من التوقعات" رغم أن درجته مرتفعة. الهدف هنا هو ترتيب الطلاب وفق منحنى الأداء العام.
- مثال على التقويم المحكي: في نفس مادة الرياضيات، يمكن أن يحدد المنهج أن الطالب يجب أن يتقن مهارة حل المعادلات البسيطة بنسبة 80%. فإذا حصل الطالب على 85% في هذا الجزء، فهذا يعني أنه أتقن المهارة بغض النظر عن أداء زملائه. حتى لو كان بقية الصف متفوقًا وحصلوا على 95%، يظل هذا الطالب "متقنًا" لأنه تجاوز المعيار المطلوب.
التطبيق في السعودية:
مع اللائحة الجديدة لتقويم الطالب (2025)، يمكن أن نرى مزيجًا من هذين النظامين. فمثلاً:
1- الاختبارات الوطنية أو اختبارات القدرات تُبنى غالبًا على التقويم المعياري لأنها تقارن مستوى الطالب على نطاق واسع.
2- بينما اختبارات المدرسة الفصلية أو النهائية تعتمد أكثر على التقويم المحكي لأنها تُقاس وفق معايير المنهج ومهارات محددة.
هذا الدمج بين المعياري والمحكي يساعد على تقديم صورة شاملة حول أين يقف الطالب بين أقرانه؟ وهل أتقن المعايير الأساسية المطلوبة منه في المرحلة الدراسية أم لا.
معايير التقويم الجيد
لكي يكون التقويم المعياري أو حتى أي نوع آخر من أساليب التقويم فعّالًا ويؤدي الغرض المطلوب، لا بد أن يخضع لمجموعة من المعايير التربوية التي تضمن دقته وعدالته، ومن أبرز هذه المعايير:
أولًا: الصدق (Validity)
يقيس الاختبار ما وُضع أصلًا لقياسه. على سبيل المثال، إذا كان الهدف هو قياس مهارات الفهم القرائي في اللغة العربية، فلا يصح أن تقتصر الأسئلة على القواعد النحوية فقط، بل يجب أن تتضمن نصوصًا وأسئلة تعكس فهم الطالب واستيعابه.
ثانيًا: الثبات (Reliability)
يعني أن تعطي أداة التقويم نفس النتيجة إذا طُبقت على نفس الطالب أكثر من مرة في ظروف متشابهة. مثلاً، إذا أجرى طالب اختبارًا معياريًا اليوم وأعاد الاختبار بعد أسبوع بنفس المستوى، فيجب أن تكون نتائجه متقاربة.
ثالثًا: الشمولية (Comprehensiveness)
من معايير التقويم الجيد أن يغطي جميع جوانب التعلم: المعارف، المهارات، والقيم. فالاختبار لا يركز فقط على الحفظ، بل يتناول مهارات التفكير النقدي، حل المشكلات، والعمل الجماعي عند الحاجة.
رابعًا: العدالة (Fairness)
يجب أن تكون أداة التقويم خالية من أي تحيز ثقافي أو لغوي أو اجتماعي. على سبيل المثال، إذا طُرِح سؤال عن تجربة حياتية مرتبطة بثقافة معينة، فقد يظلم ذلك الطلاب الذين لم يتعرضوا لها.
خامسًا: العملية (Practicality)
حتى يكون التقويم قابلًا للتطبيق، ينبغي ألا يكون معقدًا أو مرهقًا سواء للطالب أو للمعلم. فالتقويم الجيد يوازن بين الوقت المتاح، عدد الطلاب، وأهداف العملية التعليمية.
سادسًا: تقديم تغذية راجعة (Feedback)
يظل التقويم عديم الجدوى إذا لم يقدم للطالب والمعلم تغذية راجعة واضحة، فالمعلم يحتاج لمعرفة نقاط القوة والضعف لدى طلابه، والطالب يحتاج لمعرفة ما الذي أتقنه وما الذي يحتاج إلى تحسين.
هذه المعايير لا تُستخدم فقط في الاختبارات النهائية، بل تنطبق أيضًا على الأنشطة اليومية وأدوات التقويم التكويني والختامي معًا.
هل يساعد اختباري المعلم في التقويم المعياري للطلاب؟
بالطبع، منصة اختباري تمثل أداة قوية لدعم المعلمين في التقويم المعياري للطلاب، فهي تسهّل عليهم تصميم اختبارات معيارية تتوافق مع معايير التقويم الجيد، مما يضمن قياس مستوى الطلاب بدقة وموضوعية، ومن خلال اختباري، يمكن للمعلم:
1- إعداد اختبارات معيارية موحدة لجميع الطلاب، بحيث يُقاس كل طالب وفق نفس المعايير والمهارات المطلوبة.
2- تحديد الفجوات التعليمية من خلال أوراق عمل فترية يستطيع المعلم إعدادها بسهولة مع اختباري، واتخاذ قرارات مبنية على بيانات دقيقة، سواء لتعديل خطة التدريس أو لتقديم دعم إضافي للطلاب المحتاجين.
بهذه الطريقة، لا يقتصر دور اختباري على توفير اختبار جاهز، بل يتحوّل إلى أداة تخطيط وتحليل تساعد المعلمين على تطبيق الفرق بين التقويم المعياري والمحكي بوضوح، وضمان تحقيق معايير التقويم الجيد في العملية التعليمية.
الخلاصة
يُعد التقويم المعياري أداة أساسية لضمان تقييم موضوعي وعادل لأداء الطلاب، ومساعدة المعلمين على اتخاذ قرارات تعليمية دقيقة.
ومن خلال منصة اختباري، يصبح تطبيق هذا النوع من التقويم أكثر سهولة وفاعلية، حيث يوفر اختبارات معيارية جاهزة، تسهل عملية التقييم على المعلمين وتُسرِّعها، وبالتالي تسرع إمكانية التعرف على نقاط القوة والضعف لكل طالب وبالتالي إجراء أي تعديلات ممكنة لتحسين سير العملية التعليمية.
فاعتماد هذه الأدوات يعزز جودة العملية التعليمية ويضمن تحقيق معايير التقويم الجيد، كما أن معرفة الفارق بين التقويم المعياري والمحكي ضروري جدًا ومفيد لسير العملية التعليمية، أما المنصات الذكية مثل منصة اختباري فلها دور فعال في سهولة وفاعلية تطبيق التقويم المعياري، مما يساهم في تطوير مهارات الطلاب وتحسين مخرجات التعلم بشكل ملموس.